محمد خروب
ستة وستون عاماً انقضت على ذلك اليوم المجيد من التاريخ العربي المعاصر، والذي تجاوزت اصداؤه المحروسة, لتُضيء على مشهد جديد لم يعهده عرب تلك الأيام ,الذين وقعوا ضحية اكاذيب رسمية مؤسّطرَة تتحدث عن تحرير فلسطين وإعادة شعبها المظلوم, وغيرها مما تفنّن به إعلام انظمة متواطِئة. فجاء رد الضباط الاحرار الذين أطّرَهم جمال عبدالناصر في تنظيم متواضِع الحجم ولكن متفائِل, ما كان احد يُراهِن على نجاحه إطاحة نظام فاروق، إلاّ ان الثورة نجحت ووضعت حداً لذلك النظام، رغم ان معظم بلاد العرب كانت خاضعة لهيمنة ونفوذ الامبراطوريتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية، فضلا عن ان دولة العدو الصهيوني قد تسلّمت لتوها دورها الذي حدّده المستعمِرون في المنطقة العربية. ما اظهر للجميع ان "ولادة اسرائيل"سنوات معدودات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يكن صدفة او من بنات افكار هرتزل او جابوتنسكي وبالتأكيد ليس قرار بن غوريون، الذي يُعزى الفضل له بقبول قرار التقسيم 29/11/1947، ما اعتبره كثيرون انه حكمة صيهونية وخبث يهودي مقيم. لكن هؤلاء يريدون الطمس على حقيقة العلاقة الوظيفية التي تربط الصهيونية بدول الغرب الامبريالي, وخصوصا لندن وباريس صاحبتا القرار النهائي وقتذاك.
في ذكرى ثورة 23 يوليو التي تحل اليوم، وسط مشهد عربي رثّ ومهين وأكثر انحطاطاً مما يمكن للمرء ان يتخيله، وبخاصة في ظل ثروات عربية "اسطورية" لم تتوفر عليها اي امبراطورية "إسلامية" او إقليمية سابقة، يجري تبديدها في الحروب العبثية وصفقات الاسلحة وتمويل خطط لتكريس الفوضى والحروب الأهلية والارهاب في اكثر من دولة عربية (...)فضلاً عن شراء الذمم والاقلام ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، التي من فرض تبعيتها تكاد تنطق بكل لغات الارض ان امكنها ذلك، ولا تتورع عن التخلي عن كل القيم والمبادئ والروابط بين الشعوب العربية التي باتت تشخص نحو العواصم والدول غير العربية، علّها تجد لديها ما يُسعِفها على البقاء ودرء كل هذه الشرور والاخطار المحدقة بهم... وبأيدٍ عربية من أَسف.
كل هؤلاء الذين يتنطّحون لقيادة المنطقة و"تقرير مصير" قضاياها القومية، وحقوق شعوبها غير القابِلة للتصرّف وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني، ما كان ليرفعوا رؤوسهم او يحاولوا تَقدُّم الصفوف ومقارفة كل ارتكاباتهم المتواصِلة، والتي تجاوزت المألوف والنواميس والثوابت وما تُوصَف بالخطوط الحمراء، لو تم الإلتزام "مِصرِيّاً... وفي حدِّه الادنى، بمواقف وشعارات وثوابت وسياسات ثورة 23 يوليو، التي حارب من أجلها قائد هذه الثورة وزعيمها حتى النَفَس الأخير من حياته القصيرة، فيما يواصِل البعض الإجهاز على ما تبقّى من روابط هذه الامة والوشائج التي تجمع ابناءها، الذين يعانون الفقر والبطالة والعسف والاضطهاد وسوء الخدمات وتراجِعها، وتخلّي انظمة عن ابسط مسؤولياتها في التعليم والصحة وتوفير الحاجات الأساسية من "الكلأ والماء"، فيما لا تتوقف هذه الانظمة عن توفير المشترَك الثالث وهو "النار"، لكنها ليست النار التي تُسهِم في الانارة والتدفئة وقضاء الحاجات، وإنما نار الاسعار.
في ذكرى ثورة 23 يوليو يجدر بالذين "امتهنوا" الهجوم على جمال عبدالناصر وثورته المجيدة التي يصفونها إنقلاباً، ان يتوقّفوا خجلاً، وخصوصا انهم يواصلون الارتماء في احضان غير عربية. ليس فقط في اعتبار السلطان العثماني الجديد اردوغان خليفة المسلمين بل وايضا في تعويلهم على كل ما هو غير عربي، والرهان ايضاً على الإطار الاسلاموي بما هو في نظرهم اكثر سعة وراحة وديمومة من الإطار العروبي. وهم بذلك يفضحون انفسهم وتهافت خطابهم، اكثر مما يسيئون الى جمال عبدالناصر وثورته على الفساد والظلم والتواطؤ والعمالة للأجنبي والإنحياز غير المحدود... للفقراء والعروبة وفلسطين وشعبها.
[email protected]